کد مطلب:211491 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:114

مجلس 04
قال المفضل فلما كان الیوم الرابع بكرت الی مولای فاستؤذن لی فامرنی بالجلوس فجلست فقال علیه السلام: منا التحمید و التسبیح و التعظیم و التقدیس للاسم الاقدم و النور الاعظم العلی العلام ذی الجلال و الاكرام و منشی ء الانام و مفنی العوالم و الدهور و صاحب السر المستور و الغیب المحظور و الاسم المخزون و العلم المكنون و صلواته و بركاته علی مبلغ وحیه و مؤدی رسالته الذی بعثه بشیرا و نذیرا و داعیا الی الله باذنه و سراحا منیرا لیهلك من هلك عن بینة و یحیی من حی عن بینة فعلیه و علی آله من بازئه الصلوات الطیبات و التحیات الزاكیات النامیات و علیه و علیهم السلام و الرحمة و البركات فی الماضین و الغابرین ابد الآبدین و دهر الداهرین و هم اهله و مستحقوه. قد شرحت لك یا مفضل من الادلة علی الخلق و الشواهد علی صواب التدبیر و العمد فی الانسان و الحیوان و النبات و الشجر و غیر ذلك ما فیه عبرة لمن اعتبر و انا اشرح لك الآن الآفات الحادثة فی بعض الازمان التی اتخذها اناس من الجهال ذریعة الی جحود الخلق و الخالق و العمد و التدبیر و ما انكرت المعطلة و المنانیة من المكاره و المصائب و ما انكروه من الموت و الفناء و ما قاله اصحاب الطبایع و من زعم ان كون الاشیاء بالعرض و الاتفاق لیتسع ذلك القول فی الرد علیهم قاتلهم الله ان یؤفكون. اتخذ اناس من الجهال هذه الآفات الحادثة فی بعض الازمان كمثل الوباء و الیرقان و البرد و الجراد ذریعة الی جحود الخالق و التدبیر و الخلق فیقال فی جواب ذلك انه ان لم یكن خالق و مدبر فلم لا یكون ما هو اكثر من هذا و افظع فمن ذلك ان تسقط السماء علی الارض و تهوی الارض فتذهب سفلا و تتخلف الشمس عن الطلوع اصلا و تجف الانهار و العیون حتی لا یوجد ماء للشفة و تركد الریح حتی تخم الاشیاء و تفسد و یفیض ماء البحر علی الارض فیغرقها ثم هذه الآفات التی ذكرناها من الوباء و الجراد و ما اشبه ذلك ما بالها لا تدوم و تمتد حتی تجتاح كل ما فی العالم بل تحدث فی الاحایین ثم لا تلبث ان ترفع افلا تری ان العالم یصان و یحفظ من تلك الاحداث الجلیلة التی لو حدث علیه شی ء منها كان فیه بواره و یلذع احیانا بهذه الآفات الیسیرة لتأدیب الناس و تقویمهم ثم لا تدوم هذه الآفات بل تكشف عنهم عند القنوط منهم فیكون وقوعها بهم موعظة و كشفها عنهم رحمة و قد انكرت المنانیة من المكاره و المصائب



[ صفحه 377]



التی تصیب الناس فكلاهما یقول ان كان للعالم خالق رؤوف رحیم فلم تحدث فیه هذه الامور المكروهة و القائل بهذا القول یذهب الی انه ینبغی ان یكون عیش الانسان فی هذه الدنیا صافیا من كل كدر ولو كان هكذا كان الانسان یخرج من الاشر و العتو الی مالا بصلح فی دین و لا دنیا كالذی تری كثیرا من المترفین و من نشأ فی الجدة و الامن یخرجون الیه حتی ان احدهم ینسی انه بشر و انه مربوب او ان ضررا یمسه او ان مكروها بنزل به اوانه یجب علیه ان یرحم ضعیفا او یواسی فقیرا او یرثی لمبتلی او یتحنن علی ضعیف او یتعطف علی مكروب فاذا عضته المكاره و وجد مضضها اتعظ و ابصر كثیرا مما كان جهلة و غفل عنه و رجع الی كثیر مما كان یجب علیه و المنكرون لهذه الامور المؤذیة بمنزلة الصبیان الذین یذمون الادویة المرة البشعة و یتخسطون من المنع من الاطعمة الضارة و یتكرهون الادب و العمل و یحبون ان یتفرغو اللهو و البطالة و ینالوا كل مطعم و مشرب و لا یعرفون ما تؤدیهم الیه البطالة من سوء النشو و العادة و ما تعقبهم الاطعمة اللذیذة الضارة من الادواء و الاسقام و ما لهم فی الادب من الصلاح و فی الادویة من المنفعة و ان شاب ذلك بعض الكراهة فان قالوا فلم لم یكن الانسان معصوما من المساوی حتی لا یحتاج الی ان تلذعه هذه المكاره قیل اذا كان یكون غیر محمود علی حسنة یأتیها و لا مستحقا للثواب علیها فان قالوا و ما كان یضره ان لا یكون محمودا علی الحسنات مستحقا للثواب بعد ان یصیر الی غایة النعیم و للذات قیل لهم اعرضوا علی امرء صحیح الجسم و العقل ان یجلس منعما و یكفی كلما یحتاج الیه بلا سعی و لا استحقاق فانظرو اهل تقبل نفسه ذلك بل ستجدونه بالقلیل مما یناله بالسعی و الحركة اشد اغتباطا و سرورا منه بالكثیر مما یناله بغیر الاستحقاق و كذلك نعیم الآخرة ایضا یكمل لاهله بان ینالوه بالسعی فیه و الاستحقاق له فالنعمة علی الانسان فی هذا الباب مضاعفة فان اعد له الثواب الجزیل علی سعیه فی هذه الدنیا و جعل له السبیل الی ان ینال ذلك بسعی و استحقاق فیكمل له السرور و الاغتباط بما یناله منه فان قالوا اولیس قد یكون من الناس من یركن الی ما نال من خیر و ان كان لا یستحقه فما الحجة فی منع من رضی ان ینال نعیم الآخرة علی هذه الجملة قیل لهم ان هذا باب لوصح للناس لخرجوا الی غایة الكلبة و الضراوة علی الفواحش و انتهاك المحارم فمن كان یكف نفسه عن فاحشة او یتحمل المشقة فی باب من ابواب البر لوثق بانه صائر الی النعیم لا محالة او من كان یأمن علی نفسه و اهله و ماله من الناس لو لم یخاف الحساب و العقاب فكان ضرر هذا الباب سینال الناس فی هذه الدنیا قبل الآخرة فیكون فی ذلك تعطیل العدل و الحكمة



[ صفحه 378]



معا و موضع للطعن علی التدبیر بخلاف الصواب و وضع الامور فی غیر مواضعها و قد یتعلق هؤلاء بالآفات التی تصیب الناس فتعم البر و الفاجر او یبتلی بها البر و یسلم الفاجر منها فقالوا كیف یجوز هذا فی تدبیر الحكیم و ما الحجة فیه فیقال لهم ان هذه الآفات و ان كان تنال الصالح و الطالح جمیعا فان الله عزوجل جعل ذلك صلاحا للصنفین كلیهما ام الصالحون فان الذی یصیبهم من هذا یزدهم نعم ربهم عندهم فی سالف ایامهم. فیحدوهم ذلك علی الشكر و الصبر و اما الطالحون فان مثل هذا اذا نالهم كسر شرتهم و ردعهم عن المعاصی و الفواحش و كذلك یجعل لمن سلم منهم من الصنفین صلاحا فی ذلك اما الابرار فانهم یغتبطون بما هم علیه من البر و الصلاح و یزدادون فیه رغبة و بصیرة و اما الفجار فانهم یعرفون رأفة ربهم و تطوله علیهم بالسلامة من غیر استحقاق فیحضهم ذلك علی الرأفة بالناس و الصفح عمن اساء الیهم و لعل قائلا یقول ان هذه الآفات التی تصیب الناس فی اموالهم فما قولك فیما یبتلون به فی ابدانهم فیكون فیه تلفهم كمثل الحرق و الغرق و السیل و الخسف فیقال له ان الله جعل فی هذا ایضا صلاحا للصنفین جمیعا ام الابرار فلما لهم فی مفارقة هذه الدنیا من الراحة من تكالیفها و النجاة من مكارهها و اما الفجار فلما لهم فی ذلك من تمحیص او زارهم و حبسهم عن الازدیاد منها و جملة القول ان الخالق تعالی ذكره بحكمته و قدرته قد یصرف هذه الامور كلها الی الخیر و المنفعة فكما انه اذا قطعت الریح شجرة او قطعت نخلة اخذها الصانع الرفیق و استعملها فی ضروب من المنافع فكذلك یفعل المدبر الحكیم فی الآفات التی تنزل بالناس فی ابدانهم و اموالهم فیصیرها جمیعا الی الخیر و المنفعة فان قال و لم تحدث علی الناس قیل له لكیلا یركنوا الی المعاصی من طول السلامة فیبالغ الفاجر فی ركوب المعاصی و یفتر الصالح عن الاجتهاد فی البر فان هذین الامرین جمیعا یغلبان علی الناس فی حال الخفض و الدعة و هذه الحوادث التی تحدث علیهم تردعهم و تنبههم علی ما فیه رشدهم فلو خلوا منها لغلوا فی الطغیان و المعصیة كما غلا الناس فی اول الزمان حتی وجب علیهم البوار بالطوفان و تطهیر الارض منهم و مما ینتقده الجاحدون للعمد و التقدیر الموت و الفناء فانهم یذهبون الی انه ان ینبغی ان یكون الناس مخلدین فی هذه الدنیا مبرئین من هذه الآفات فینبغی ان یساق هذا الامر الی غایته فینظر ما محصوله.

افرأیت لو كان كل من دخل العالم و یدخله یبقون و لا یموت احد منهم الم تكن الارض تضیق بهم حتی تعوزهم المساكن و المزارع و المعائش فانهم و الموت یفنیهم اولا فاولا



[ صفحه 379]



یتنافسون فی المساكن و المزارع حتی تنشب بینهم فی ذلك الحروب و تسفك فیهم الدماء فكیف كانت تكون حالهم لو كانوا یولدون و لا یموتون و كان یغلب علیهم الحرص و الشره و قساوة القلوب فلو وثقوا بانهم لا یموتون لما قنع الواحد منهم بشی ء تناله و لا افرج لاحد عن شی ء یساله و لاسلا عن شی ء مما یحدث علیه ثم كانوا یملون الحیاة و كل شی ء من امور الدنیا كما قد یمل الحیاة من طال عمره حتی یتمنی الموت و الراحة من الدنیا فان قالوا انه كان ینبغی انه یرفع عنهم المكاره و الاوصاب حتی لا یتمنوا الموت و لا بشتاقوا الیه فقد وصفنا ما كان یخرجهم الیه من العتو و الاشر الحامل لهم علی ما فیه فساد الدنیا و الدین و ان قالوا انه كان ینبغی ان لا یتوالدوا كیلا تضیق عنهم المساكن و المعایش قیل لهم اذا كان یحرم اكثر هذا الخلق دخول العالم و الاستمتاع بنعم الله تعالی و مواهبه فی الدارین جمیعا اذا لم یدخل العالم الاقرن واحد لا یتوالدون و لا یتناسلون فان قالوا انه كان ینبغی ان یخلق فی ذلك القرن الواحد من الناس مثل ما خلق و یخلق الی انقضاء العالم یقال لهم رجع الامر الی ما ذكرنا من ضیق المساكن و المعایش عنهم ثم لو كانوا لا یتوالدون و لا یتناسلون لذهب موضع الانس بالقرابات و ذوی الارحام و الانتصار بهم عند الشدائد و موضع تربیة الاولاد و السرور بهم.

ففی هذا دلیل علی ان كلما تذهب الیه الاوهام سوی ما جری به التدبیر خطأ وسفه من الرأی و القول و لعل طاعنا یطعن علی التدبیر من جهة اخری فیقول كیف یكون هاهنا تدبیر و نحن نری الناس فی هذه الدنیا من عزیر فالقوی یظلم و یغضب و الضعیف یظلم و یسام الخسف و الصالح فقیر مبتلی و الفاسق معا فی موسع علیه و من ركب فاحشة او انتهك محرما لم یعاجل بالعقوبة فلو كان فی العالم تدبیر لجرت الامور علی القیاس القائم فكان الصالح هو المزروق و الطالح هو المحروم و كان القوی یمنع من ظلم الضعیف و المنتهك للمحارم یعاجل بالعقوبة فیقال فی جواب ذلك ان هذا لو كان هكذا لذهب موضع الاحسان الذی فضل به الانسان علی غیره من الخلق و حمل النفس علی البر و العمل الصالح احتسابا للثواب و ثقة بما وعد الله عنه و لصار الناس بمنزلة الدواب التی تساس بالعصا و العلف و یلمع لها بكل واحد منهما ساعة فساعة فتستقیم علی ذلك و لم یكن احد یعمل علی یقین بثواب او عقاب حتی كان هذا یخرجهم عن حد الانسیة الی حد البهائم ثم لا یعرف ما غاب و لا یعمل الا علی الحاضر من نعیم الدنیا و كان یحدث من هذا ایضا ان یكون الصالح انما یعمل للرزق و السعة



[ صفحه 380]



فی هذه الدنیا و یكون الممتنع من الظلم و الفواحش انما یكف عن ذلك لترقب عقوبة تنزل به من ساعته حتی تكون افعال الناس كلها تجری علی الحاضر لا یشوبه شی ء من الیقین بما عند الله و لا یستحقون ثواب الآخرة و النعیم الدائم فیها مع ان هذه الامور التی ذكرها الطاعن من العغنی و الفقر و العافیة و البلاء لیست بجاریة علی خلاف قیاسه بل قد تجری علی ذلك احیانا و الامر المفهوم فقد تری كثیرا من الصالحین یرزقون المال لضروب من التدبیر و كیلا یسبق الی قلوب الناس ان الكفارهم المرزوقون و الابرارهم المحرومون فیؤثرون الفسق علی الصلاح و تری كثیرا من الفساق یعاجلون بالعقوبة اذا تفاقم طغیانهم و عظم ضررهم علی الناس و علی انفسهم كما عوجل فرعون بالغرق و بخت نصر بالتیه و بلبیس بالقتل و ان امهل بعض الاشرار بالعقوبة و اخر بعض الاخیار بالثواب الی الدار الاخرة لاسباب تخفی علی العباد لم یكن هذا مما یبطل التدبیر.

فان مثل هذا قد یكون من ملوك الارض و لا یبطل تدبیرهم بل یكون تأخیرهم ما اخروه و تعجیلهم ما عجلوه داخلا فی صواب الرأی و التدبیر و اذا كانت الشواهد تشهد و قیاسهم یوجب ان للاشیاء خالقا حكیما قادرا فما یمنعه ان یدبر خلقه فانه لا یصلح فی قیاسهم ان یكون الصانع یهمل صنعته الا باحدی ثلاث خلال اما عجز و اما جهل و اما شرارة و كل هذا محال فی صنعته عزوجل و تعالی ذكره و ذلك ان العاجز لا یستطیع ان یأتی بهذه الخلائق الجلیلة العجیبة و الجاهل لا یهتدی لما فیها من الصواب و الحكمة و الشریر لا یتطاول لخلقها و انشائها و اذا كان هذا هكذا وجب ان یكون الخالق لهذه الخلائق یدبرها لا محالة و ان كان لا یدرك كنه ذلك التدبیر و مخارجه فان كثیرا من تدبیر الملوك لا تفهمه العامة و لا تعرف اسبابه لانها لا تعرف دخیلة امر الملوك و اسرارهم فاذا عرف سببه وجد قائما علی الصواب و الشاهد المحنة ولو شككت فی بعض الادویة و الاطعمة فیتبین لك من جهتین او ثلاث انه حار او بارد الم تكن ستقضی علیه بذلك و تنفی الشك فیه عن نفسك فما بال هؤلاء الجهلة لا یقضون علی العالم بالخلق و التدبیر مع هذه الشواهد الكثیرة و اكثر منها ما لا یحصی كثرة ولو كان نصف العالم و ما فیه مشكلا صوابه لما كان من حزم الرأی و سمت الادب ان یقضی علی العالم بالاهمال لانه كان فی النصف الاخر و ما یظهر فیه من الصواب و اتقان ما یردع الوهم عن التسرع الی هذه القضیة فكیف و كلما فیه اذا فتش وجد علی غایة الصواب حتی لا یخطر بالبال شی ء الا وجد ما علیه الخلقة اصح و اصوب منه.



[ صفحه 381]



و اعلم یا مفضل ان اسم هذا العالم بلسان الیونانیة الجاری المعروف عندهم قوسموس و تفسیره الزینة و كذلك سمته الفلاسفة و من ادعی الحكمة افكانوا یسمونه بهذا الاسم الا لما رأوا فیه من التقدیر و النظام فلم یرضوا ان یسموه تقدیرا و نظاما حتی سموه زینة. لیخبروا انه مع ما هو علیه من الصواب و الاتقان علی غایة الحسن و البهاء.

اعجب یا مفضل من قوم لا یقضون علی صناعة الطب بالخطأ و هم یرون الطبیب یخطی ء و یقصون علی العالم بالاهمال و لا یرون شیئا منه مهملا بل اعجب من اخلاق من ادعی الحكمة حتی جهلوا مواضعها فی الخلق فارسلوا السنتهم بالذم للخالق جل و علا بل العجب من المخذول (مانی) حین ادعی علم الاسرار و عمی عن دلائل الحكمة فی الخلق حتی نسبه الی الخطأ و نسب خالقه الی الجهل تبارك الحكیم الكریم و اعجب منهم جمیعا المعطلة الذین راموا ان یدركوا بالحس مالا یدرك بالعقل فلما اعوزهم ذلك خرجوا الی الجحود و التكذیب فقالوا و لم لا یدرك بالعقل قیل لانه فوق مرتبة العقل كما لا یدرك البصر ما هو فوق مرتبته فانك لو رایت حجرا یرتفع فی الهواء علمت ان رامیا رمی به فلیس هذا العلم من قبل الصبر بل من قبل العقل لان العقل هو الذی یمیزه فیعلم ان الحجر لا یذهب علوا من تلقاء نفسه.

افلا تری كیف وقف البصر علی حده فلم یتجاوزه فكذلك یقف العقل علی حده من معرفة الخالق فلا یعدوه و لكن بعقله یعقل اقرأن فیه نفسا و لم یعاینها و لم یدركها بحاسة من الحواس و علی حسب هذا ایضا نقول ان العقل یعرف الخالق من جهة توجب علیه الاقرار و لا یعرفه بما یوجب له الاحاطة بصفته فان قالوا فكیف یكلف العبد الضعیف معرفته بالعقل اللطیف و لا یحیط به قیل لهم انما كلف العباد من ذلك ما فی طاقتهم ان یبلغوه و هو ان یوقنوا به و یقفوا عند امره و نهیه و لم یكلفوا الاحاطة بصفته كما ان الملك لا یكلف رعیته ان یعلموا أطویل هو ام قصیر و ابیض هو ام اسمر و انما یكلفهم الاذعان لسطانه و الانتهاء الی امره الا تری ان رجلا لو اتی باب الملك فقال اعرض علی نفسك حتی اتقصی معرفتك و الا لم اسمع لك كان قد احل نفسه بالعقوبة فكذا القائل انه لا یقر بالخالق سبحانه حتی یحیط بكنهه متعرضا لسخطه فان قالوا او لیس قد نصفه فنقول هو العزیز الحكیم الجواد الكریم قیل لهم كل هذه صفات اقرار و لیست صفات احاطة فانا نعلم أنه حكیم و لا نعلم بكنه ذلك منه و كذلك قدیر و جواد و سائر صفاته كما قد نری السماء فلا ندری ما جوهرها و نری البحر و لا ندری این



[ صفحه 382]



منتهاه بل فوق هذا المثال بما لا نهایة له و لان الامثال كلها تقصر عنه و لكنها تقود العقل الی معرفته.

فان قالوا و لم یختلف فیه قیل لهم لقصر الاوهام عن مدی عظمته و تعدیها اقدارها فی طلب معرفته و انها تروم الاحاطة به و هی تعجز عن ذلك و ما دونه فمن ذلك هذه الشمس التی تراها تطلع علی العالم و لا یوقف علی حقیقة امرها و لذلك كثرت الاقاویل فیها و اختلفت الفلاسفة المذكورون فی وصفها فقال بعضهم هو فلك اجوف مملوء نارا له فم یجیش بهذا الوهج و الشعاع و قال آخرون هو سحابة و قال آخرون هو جسم زجاجی یقل ناریة فی العالم و یرسل علیه شعاعها و قال آخرون هو صفو لطیف ینعقد من ماء البحر و قال آخرون هو اجزاء كثیرة مجتمعة من النار و قال آخرون هو من جوهر خامس سوی الجواهر الاربعة ثم اختلفوا فی شكلها فقال بعضهم هی بمنزلة صحیفة عریضة و قال آخرون هی كالكرة المدحرجة و كذلك اختلفوا فی مقدارها فزعم بعضهم انها مثل الارض سواء و قال آخرون بل هی اقل من ذلك و قال آخرون بل هی اعظم من الجزیرة العظیمة و قال اصاب الهندسة هی اضعاف الارض مأة و سبعین مرة ففی اختلاف هذه الاقاویل منهم فی الشمس دلیل علی انهم لم یقفوا علی الحقیقة من امرها فاذا كانت هذه الشمس التی یقع علیها البصر و یدركها الحس قد عجزت العقول عن الوقوف علی حقیقتها فكیف ما لطف عن الحس و استتر عن الوهم فان قالوا و لم استتر قیل لهم لم یستتر بحیلة یخلص الیها كمن یحتجب من الناس بالابواب و الستور و انما معنی قولنا استتر انه لطف عن مدی ما تبلغه الاوهام كما لطفت النفس و هی خلق من خلقه و أرتفعت عن ادراكها بالنظر فان قالوا و لم لطف تعالی عن ذلك علوا كبیرا كان ذلك خطأ من القول لانه لا یلیق بالذی هو خالق كل شی ء الا ان یكون مباینا لكل شی ء متعالیا عن كل شی ء سبحانه و تعالی.

فان قالوا كیف یعقل ان یكون مباینا لكل شی ء متعالیا قیل لهم الحق الذی نطلب معرفته من الاشیاء هو اربعة اوجه فاولها ان ینظرأ موجود هو أم لیس بموجود و الثانی ان یعرف ما هو فی ذاته و جوهره و الثالث ان یعرف كیف هو و ما صفته و الرابع ان یعلم لماذا هو ولایة علة فلیس من هذه الوجوه شی ء یمكن للمخلوق ان یعرفه من الخالق حق معرفته غیر انه موجود فقط فاذا قلنا و كیف و ما هو فممتنع علم كنهه و كمال المعرفة به و اما لماذا هو فساقط فی صفة الخالق لانه جل ثناؤه علة كل شی ء و لیس شی ء بعلة له ثم لیس علم



[ صفحه 383]



الانسان بانه موجود یوجب له ان یعلم ما هو و كیف هو كما ان علمه بوجود النفس لا یوجب ان یعلم ما هی و كیف هی و كذلك الامور الروحانیة اللطیفة فان قالوا فانتم الآن تصفون من قصور العلم عنه وصفا حتی كانه غیر معلوم قیل لهم هو كذلك من جهة اذا رام العقل معرفة كنهه و الاحاطة به و هو من جهة اخری اقرب من كل قریب اذا استدل علیه بالدلائل الشافیة فهو من جهة كالواضح لا یخفی علی احد و هو من جهة كالغامض لا یدركه احد و كذلك العقل ایضا ظاهر بشواهده و مستور بذاته (فاما اصحاب الطبائع) فقالوا ان الطبیعة لا تعقل شیئا لغیر معنی و لا عما فیه تمام الشیی ء فی طبیعته و زعموا ان الحكمة تشهد بذلك فقیل لهم فمن اعطی الطبیعة هذه الحكمة و الوقوف علی حدود الاشیاء بلا مجاوزة لها و هذا قد تعجز عنه العقول بعد طول التجارب فان اوجبوا اللطبیعة الحكمة و القدرة علی مثل هذه الافعال فقد اقروا بما انكرو الان هذه هی صفات الخالق و ان انكروا ان یكون هذا لطبیعة فهذا وجه الخلق یهتف بان الفعل للخالق الحكیم و قد كان من القد ماء طائفة انكروا العمد و التدبیر فی الاشیاء و زعموا ان كونها بالعرض و الاتفاق و كان مما احتجوا به هذه الآیات التی تكون علی غیر مجری العرف و العادة كالانسان یولد ناقصا او زائدا اصبعا او یكون المولود مشوها مبدل الخلق فجعلوا هذا دلیلا علی ان كون الاشیاء لیس بعمد و تقدیر بل بالعرض كیف ما اتفق ان یكون و قد كان ارسطاطا لیس رد علیهم فقال ان الذی یكون بالعرض و الاتفاق انما هو شی ء یأتی فی الفرط مرة لاعراض تعرض للطبیعة فتزیلها عن سبیلها و لیس بمنزلة الامور الطبیعیة الجاریة علی شكل واحد جریا دائما متتابعا.

و انت یا مفضل تری اصناف الحیوان ان یجری اكثر ذلك علی مثال و منهاج واحد كالانسان یولد و له یدان و رجلان و خمس اصابع كما علیه الجمهور من الناس فاما ما یولد علی خلاف ذلك فانه لعلة تكون فی الرحم او فی المادة التی ینشأ منها الجنین كما یعرض فی الصناعات حین یتعمد الصانع الصواب فی صنعته فیعوق دون ذلك عائق فی الاداة او فی الآلة التی یعمل فیها الشی ء فقد یحدث مثل ذلك فی اولاد الحیوان للاسباب التی وصفنا فیأتی الولد زائدا او ناقصا او مشوها و یسلم اكثرها فیأتی سویا لا علة فیه فكما ان الذی یحدث فی بعض اعمال الاعراض لعلة فیه لا یوجب علیها جمیعا الاهمال و عدم الصانع كذلك ما یحدث علی بعض الافعال الطبیعیة لعائق یدخل علیها لا یوجب ان یكون جمیعها بالعرض و الاتفاق فقول من قال فی الاشیاء ان كونها بالعرض و الاتفاق من قبیل ان شیئا



[ صفحه 384]



منها یأتی علی خلاف الطبیعة بعرض یعرض له خطأ و خطل فان قالوا و لم صار مثل هذا یحدث فی الاشیاء قیل لهم لیعلم انه لیس كون الاشیاء باضطرار من الطبیعة و لا یمكن ان یكون سواه كما قال قائلون بل هو تقدیر و عمد من خالق حكیم اذ جعل الطبیعة تجری اكثر ذلك علی مجری و منهاج معروف و تزول احیانا عن ذلك لاعراض تعرض لها فیستدل بذلك علی انها مصرفة مدبرة فقیرة الی ابداء الخالق و قدرته فی بلوغ غایتها و اتمام عملنا تبارك الله احسن الخالقین یا مفضل خذ ما آتیتك و احفظ ما منحتك و كن لربك من الشاكرین و لآلائه من الحامدین و لاولیائه من المطیعین فقد شرحت لك من الادلة علی الخلق و الشواهد علی صواب التدبیر و العمد قلیلا من كثیر و جزءا من كل فتدبره و فكر فیه و اعتبر به فقلت بمعونتك یا مولای اقر علی ذلك و ابلغه انشاء الله فوضع یده علی صدری فقال أحفظ بمشیئة الله و لا تنس انشاء الله فخررت مغشیا علی فلما افقت قال كیف تری نفسك یا مفضل فقلت قد استغنیت بمعونة مولای و تأییده عن الكتاب الذی كتبته و صار ذلك بین یدی كانما اقراه من كفی فلمولای الحمد و الشكر كما هو اهله و مستحقه فقال یا مفضل فرغ قلبك و اجمع الیك ذهنك و عقلك و طمأنینتك فسألقی الیك من علم ملكوت السماوات و الارض و ما خلق الله بینهما و فیهما من عجایب خلقه و اصناف الملائكة و صفوفهم و مقاماتهم و مراتبهم الی سدرة المنتهی و سائر الخلق من الجن و الانس الی الارض السابعة السفلی و ما تحت الثری حتی یكون ما وعیته جزءا من اجزاء انصرف اذا شئت مصاحبا مكلوءا فانت منا بالمكان الرفیع و موضعك من قلوب المؤمنین موضع الماء من الصدی و لا تسألن عما وعدتك حتی احدث لك منه ذكرا.